فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
قَوْلُهُ: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} وَقَدْ تَبَايَنَ النَّاسُ فِيهَا فِرَقًا، أَظْهَرُهَا تِسْعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَمَا تَزِيدُ عَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قَالَهُ الْحَسَنُ.
الثَّانِي: مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ: مَا تُسْقِطُ، وَمَا تَزْدَادُ، يَعْنِي عَلَيْهِ إلَى التِّسْعَةِ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّالِثُ: إذَا حَاضَتْ الْحَامِلُ نَقَصَ الْوَلَدُ فَذَلِكَ غَيْضُهُ، وَإِذَا لَمْ تَحِضْ ثَمَّ فَتِلْكَ عَلَى النُّقْصَانِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
الرَّابِعُ: مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ فَتِلْكَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَمَا تَزْدَادُ فَتِلْكَ لِعَامَيْنِ؛ قَالَتْهُ عَائِشَةُ.
الْخَامِسُ: مَا تَزْدَادُ لِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ؛ قَالَهُ اللَّيْثُ.
السَّادِسُ: مَا تَزْدَادُ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ.
السَّابِعُ: قَالَ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ قَوْلِهِ: إلَى خَمْسِ سِنِينَ.
الثَّامِنُ: إلَى سِتِّ سِنِينَ، وَسَبْعِ سِنِينَ؛ قَالَهُ الزُّهْرِيُّ.
التَّاسِعُ: لَا حَدَّ لَهُ، وَلَوْ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ الْأَعْوَامِ، وَأَكْثَرَ مِنْهَا؛ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
نَقَلَ بَعْضُ الْمُتَسَاهِلِينَ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ قَطُّ إلَّا هَالِكِيٌّ: وَهُمْ الطَّبَائِعِيُّونَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ مُدَبِّرَ الْحَمْلِ فِي الرَّحِمِ الْكَوَاكِبُ السَّبْعَةُ تَأْخُذُهُ شَهْرًا شَهْرًا، وَيَكُونُ الشَّهْرُ الرَّابِعُ مِنْهَا لِلشَّمْسِ، وَلِذَلِكَ يَتَحَرَّكُ وَيَضْطَرِبُ، وَإِذَا كَمُلَ التَّدَاوُلُ فِي السَّبْعَةِ الْأَشْهُرِ بَيْنَ السَّبْعَةِ الْكَوَاكِبِ عَادَ فِي الشَّهْرِ الثَّامِنِ إلَى زُحَلَ فَيُبْقِلُهُ بِبَرْدِهِ.
فَيَا لَيْتَنِي تَمَكَّنْت مِنْ مُنَاظَرَتِهِمْ أَوْ مُقَاتَلَتِهِمْ.
مَا بَالُ الْمَرْجِعِ بَعْدَ تَمَامِ الدَّوْرِ يَكُونُ إلَى زُحَلَ دُونَ غَيْرِهِ؟ اللَّهُ أَخْبَرَكُمْ بِهَذَا أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ؟ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَعُودَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ التَّدْبِيرِ إلَى ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ يَعُودَ إلَى جَمِيعِهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ مَا هَذَا التَّحَكُّمُ بِالظُّنُونِ الْبَاطِلَةِ عَلَى الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ؟ فَمَنْ نَصِيرِي مِنْ هَذَا الِاعْتِقَادِ، وَعَذِيرِي مِنْ الْمِسْكَيْنِ الَّذِي تَصَوَّرَ عِنْدَهُ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، وَيَا لِلَّهِ وَيَا لِضَيَاعِ الْعِلْمِ بَيْنَ الْعَالَمِ فِي هَذِهِ الْأَقْطَارِ الْغَارِبَةِ مَطْلَعًا، الْعَازِبَةِ مَقْطَعًا، الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْحَامِلَ لَا تَحِيضُ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ تَمَاسُكَ الْحَيْضِ عَلَامَةٌ عَلَى شَغْلِ الرَّحِمِ، وَاسْتِرْسَالَهُ عَلَامَةٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ؛ فَمُحَالٌ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الشَّغْلِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْبَرَاءَةِ لَوْ اجْتَمَعَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}: وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ فِي الدَّمِ وَالْحَيْضِ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَمْلِ، وَمَا تَزْدَادُ بَعْدَ غَيْضِهَا مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الرَّحِمِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الدَّمَ عَلَامَةٌ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ لَا مِنْ حَيْثُ الْقَطْعِ؛ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَا، بِخِلَافِ وَضْعِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ بَرَاءَةٌ لِلرَّحِمِ قَطْعًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ الشَّغْلِ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ فِي تَفْسِيرِ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَمْلِ وَمَا تَزْدَادُ بَعْدَ غَيْضِهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الرَّحِمِ.
فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ غَيْضٍ وَازْدِيَادٍ وَسَيَلَانٍ وَتَوَقُّفٍ، وَإِذَا سَالَ الدَّمُ عَلَى عَادَتِهِ بِصِفَتِهِ مَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ حُكْمِهِ؟ وَلَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْ هَذَا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... إنما أنت منذر} يعني النبي صلى الله عليه وسلم نذير لأمته {ولكل قومٍ هادٍ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أنه الله تعالى، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثاني: ولكل قومٍ هادٍ أي نبي يهديهم، قاله مجاهد وقتادة.
الثالث: ولكل قوم هاد معناه ولكل قوم قادة وهداة، قاله أبو صالح.
الرابع: ولكل قوم هاد، أي دعاة، قاله الحسن.
الخامس: معناه ولكل قوم عمل، قاله أبو العالية.
السادس: معناه ولكل قوم سابق بعلم يسبقهم إلى الهدى، حكاه ابن عيسى.
قوله عز وجل: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى}
قال ابن أبي نجيح يعلم أذكر هو أم أنثى.
ويحتمل وجهًا آخر: يعلم أصالح هو أَم طالح.
{وما تغيض الأرحام وما تزداد} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: {وما تغيض الأرحام} بالسقط الناقص: {وما تزداد} بالولد التام، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: {وما تغيض الأرحام} بالوضع لأقل من تسعة أشهر،: {وما تزداد} بالوضع لأكثر من تسعة أشهر، قاله سعيد بن جبير والضحاك. وقال الضحاك: وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين وولدتني وق خرجت سني.
الثالث: {وما تغيض الأرحام} بانقطاع الحيض في الحمل: {ما تزداد} بدم النفاس بعد الوضع. قال مكحول: جعل الله تعالى دم الحيض غذاء للحمل.
الرابع: {وما تغيض الأرحام} بظهور الحيض من أيام على الحمل، وفي ذلك نقص في الولد: {وما تزداد} في مقابلة أيام الحيض من أيام الحمل، لأنها كلما حاضت على حملها يومًا ازدادت في طهرها يومًا حتى يستكمل حملها تسعة أشهر طهرًا، قال عكرمة وقتادة.
الخامس: {وما تغيض الأرحام} من ولدته قبل: {وما تزداد} من تلده من بعد، حكاه السدي وقتادة.
{وكُلُّ شيءٍ عنده بمقدار} فيه وجهان:
أحدهما: في الرزق والأجل، قاله قتادة.
الثاني: فيما تغيض الأرحام وما تزداد، قاله الضحاك.
ويحتمل ثالثًا: أن كل شيء عنده من ثواب وعقاب بمقدار الطاعة والمعصية. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ويقول الذين كفروا} الآية، هذه آية غض من اقتراحاتهم المتشططة التي لم يجر الله به عادة إلا للأمم التي حتم بعذابها واستئصالها، والآية هنا يراد بها الأشياء التي سمتها قريش كالملك والكنز وغير ذلك، ثم أخبره الله تعالى بأنه: {منذر} وهذا الخبر قصد هو بلفظه، والناس أجمعون بمعناه.
واختلف المتأولون في قوله: {ولكل قوم هاد} فقال عكرمة وأبو الضحى: المراد بالهادي محمد عليه السلام، و: {هادٍ} عطف على: {منذر} كأنه قال: إنما أنت: {منذر} و: {هادٍ} لكل قوم. فيكون هذا المعنى يجري مع قوله عليه السلام: «بعثت للأسود والأحمر» و: {هادٍ}- على هذا- في هذه الآية بمعنى داعٍ إلى طريق الهدى. وقال مجاهد وابن زيد: المعنى: إنما أنت منذر ولكل أمة سلفت هادٍ أي نبي يدعوهم.
قال القاضي أبو محمد: والمقصد: فليس أمرك يا محمد ببدع ولا منكر، وهذا يشبه غرض الآية.
وقالت فرقة: الهادي في هذه الآية الله عز وجل، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير، و: {هادٍ}- على هذا- معناه مخترع للرشاد.
قال القاضي أبو محمد: والألفاظ تطلق بهذا المعنى، ويعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع.
وقالت فرقة الهادي: علي بن أبي طالب، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم- من طريق ابن عباس- أنه قرأ هذه الآية وعلي حاضر، فأومأ بيده إلى منكب علي وقال: «أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي».
قال القاضي أبو محمد: والذي يشبهه- إن صح هذا- أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل عليًا رضي الله عنه مثالًا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين، كأنه قال: أنت يا علي وصنفك، فيدخل في هذا أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة، ثم كذلك من كل عصر، فيكون المعنى- على هذا- إنما أنت يا محمد ولكل قوم في القديم والحديث رعاة وهداة إلى الخير.
قال القاضي أبو محمد: والقولان الأولان أرجح ما تأول في الآية.
{اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)}
لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور- قص في هذه الآيات المثل المنبهة على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث: فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب، وهي أن الله تعالى انفرد بمعرفة ما تحمل به الإناث، من الأجنة من كل نوع من الحيوان؛ وهذه البدأة تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة.
و{ما} في قوله: {ما تحمل} يصح أن تكون بمعنى الذي، مفعولة: {يعلم} ويصح أن تكون مصدرية، مفعولة أيضًا ب: {يعلم}، ويصح أن تكون استفهامًا في موضع رفع بالابتداء، والخبر: {تحمل} وفي هذا الوجه ضعف.
وفي مصحف أبي بن كعب: {ما تحمل كل أنثى وما تضع}.
وقوله: {وما تغيض الأرحام} معناه: ما تنقص، وذلك أنه من معنى قوله: {وغيض الماء} [هود: 44] وهو بمعنى النضوب فهي- هاهنا- بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه، فلما قابله قوله: {وما تزداد} فسر بمعنى النقصان: ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان: فقال مجاهد غيض الرحم أن يهرق دمًا على الحمل، وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بمهراقة الدم، فهذا هو معنى قوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد} وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل.
وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض، فيكون قوله: {وما تزداد}- بعد ذلك- جاريًا مجرى: {تغيض} على غير مقابلة، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه.
وقال الضحاك: غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تامًا في خلقه.
وقال قتادة: الغيض: السقط، والزيادة: البقاء بعد تسعة أشهر.
وقوله: {وكل شيء عنده بمقدار} لفظ عام في كل ما يدخله التقدير، و: {الغيب}: ما غاب عن الإدراكات، و: {الشهادة}: ما شهود من الأمور، ووضع المصادر موضع الأشياء التي كل واحد منها لابد أن يتصف بإحدى الحالتين.
وقوله: {الكبير} صفة تعظيم على الإطلاق، والمتعالي من العلو.
واختلفت القراءة في الوقف على {المتعال}: فأثبت ابن كثير وأبو عمرو- في بعض ما روي عنه- الياء في الوصل والوقف، ولم يثبتها الباقون في وصل ولا وقف. وإثباتها هو الوجه والباب. واستسهل سيبويه حذفها في الفواصل- كهذه الآية- قياسًا على القوافي في الشعر، ويقبح حذفها في غير فاصلة ولا شعر، ولكن وجهه أنه لما كان التنوين يعاقب الألف واللام أبدًا، وكانت هذه الياء تحذف مع التنوين، حسن أن تحذف مع معاقبة.
قال القاضي أبو محمد: ويتصل بهذه الآية فقد يحسن ذكره. فمن ذلك اختلاف الفقهاء في الدم الذي تراه الحامل، فذهب مالك رحمه الله وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وجماعة، إلى أنه حيض. وقالت فرقة عظيمة: ليس حيض، ولو كان حيضًا لما صح استبراء الأمة بحيض وهو إجماع. وروي عن مالك- في كتاب محمد- ما يقتضي أنه ليس بحيض، ومن ذلك أن الأمة مجمعة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وذلك منتزع من قوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف: 15] مع قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} [البقرة: 233].
وهذه الستة أشهر هي بالأهلة- كسائر أشهر الشريعة- ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك- وأظنه في كتاب ابن حارث- أنه إن نقص من الأشهر الستة ثلاثة أيام، فإن الولد يلحق لعلة نقص الشهور وزيادتها واختلف في أكثر الحمل فقيل تسعة أشهر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف.
وقالت عائشة وجماعة من العلماء أكثره حولان، وقالت فرقة: ثلاثة أعوام وفي المدونة: أربعة أعوام وخمسة أعوام. وقال ابن شهاب وغيره: سبعة أعوام، ويروى أن ابن عجلان ولدت امرأته لسبعة أعوام، وروي أن الضحاك بن مزاحم بقي حولين- قال: وولدت وقد نبتت ثناياي، وروي أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لولا أُنزل عليه آية من ربه}
{لولا} بمعنى هلاَّ، والآية التي طلبوها، مثلُ عصا موسى وناقة صالح.
ولم يقنعوا بما رأوا، فقال الله تعالى: {إِنما أنت منذر} أي: مخوِّفٌ عذاب الله، وليس لك من الآيات شيء.
وفي قوله: {ولكُلِّ قوم هادٍ} ستة أقوال:
أحدها: أن المراد بالهادي: اللهُ عز وجل، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، والنخعي، فيكون المعنى: إِنما إِليك الإِنذار، والله الهادي.
والثاني: أن الهادي: الداعي، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أن الهادي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن، وعطاء، وقتادة، وابن زيد، فالمعنى: ولكل قوم نبيٌّ ينذرهم.
والرابع: أن الهادي: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أيضًا، قاله عكرمة، وأبو الضحى، والمعنى: أنت منذرٌ، وأنت هادٍ.
والخامس: أن الهادي: العملُ، قاله أبو العالية.
والسادس: أن الهاديَ: القائدُ إِلى الخير أو إِلى الشر قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وقد روى المفسرون من طرق ليس فيها ما يثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، فقال: «أنا المنذِر» وأومأ بيده إِلى منكب عليٍّ، فقال: «أنت الهادي يا عليُّ بك يُهتدى من بعدي» قال المصنف: وهذا من موضوعات الرافضة.
ثم إِن الله تعالى أخبرهم عن قدرته، ردًا على منكري البعث، فقال: {الله يعلم ما تَحمِل كُلُّ أنثى} أي: من علقة أو مُضغة، أو زائد أو ناقص، أو ذكَرٍ أو أنثى، أو واحد أو اثنين أو أكثر،: {وما تغيض الأرحام} أي: وما تنقص،: {وما تزداد} وفيه أربعة أقوال:
أحدها: ما تغيض: بالوَضع لأقل من تسعة أشهر، وما تزداد: بالوضع لأكثر من تسعة أشهر، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك، ومقاتل، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: وما تغيض: بالسِّقْطِ الناقص، وما تزداد: بالولد التامِّ، رواه العوفي عن ابن عباس، وعن الحسن كالقولين.
والثالث: وما تغيض: بإراقة الدم في الحَمْل حتى يتضاءل الولد، وما تزداد: إِذا أمسكَتِ الدمَ فيعظم الولد، قاله مجاهد.
والرابع: ما تغيض الأرحام: مَنْ ولدته من قبل، وما تزداد: مَنْ تلده من بعد، روي عن قتادة، والسُّدِّي.
قوله تعالى: {وكل شيء عنده بمقدار} أي: بقدر.
قال أبو عبيدة: هو مِفعالٌ من القَدَرِ.
قال ابن عباس: عَلِمَ كُلِّ شيء فقدَّره تقديرًا.
قوله تعالى: {عالم الغيب والشهادة} قد شرحنا ذلك في [الأنعام: 6].
و{الكبير} بمعنى: العظيم.
ومعناه: يعود إِلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلوِّ، فهو أكبر من كُلِّ كبير، لأن كل كبير يصغر بالإِضافة إِلى عظمته.
ويقال: {الكبير} الذي كَبُر عن مشابهة المخلوقين.
فأمّا: {المتعال} فقرأ ابن كثير {المتعالي} بياء في الوصل والوقف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وأثبتها في الوقف دون الوصل ابنُ شَنْبُوذَ عن قُنْبُل، والباقون بغير ياء في الحالين.
والمتعالي هو المتنزِّه عن صفات المخلوقين، قال الخطّابي: وقد يكون بمعنى العالي فوق خَلْقه.
وروي عن الحسن أنه قال: المتعالي عمّا يقول المشركون. اهـ.